سياسة

انتخابات.. الدعاية السياسية الرقمية لن تكون بديلا عن الحملات المعهودة

استغلت الأحزاب السياسية الفضاء الرقمي، وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، في حملة الانتخابات التي بدأت أمس الخميس 26 غشت الجاري، في ظل ظرفية الاستثنائية موسومة بوباء كورونا.

هشام المكي، أستاذ التواصل بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، يكشف قدرة التواصل الرقمي على استقطاب أصوات انتخابية.

كيف يمكن أن تكون مواقع التواصل والفضاء الرقمي عموما بديلا عن الواقع، خصوصا فيما يتعلق بحملة الانتخابات؟

مع ارتفاع عدد المصابين بفيروس “كوفيد-19” في الآونة الأخيرة، فرضت وزارة الداخلية جملة من الإجراءات المعقولة، التي ضيقت بشكل كبير الأشكال التي كانت تأخذها الحملات الانتخابية في السابق، مما أدى إلى تنامي استخدام الفضاء الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي خصوصا في الحملات الانتخابية، لكن الحديث عن كون الحملات الانتخابية والدعاية السياسية الرقمية ستقدم بديلا عن الحملات الانتخابية المعهودة، هو كلام غير دقيق ويتأسس على ثغرة كبيرة في التواصل السياسي، وسوء تقدير لإمكاناته وأساليبه، وأعتقد أن هذا المنطق يحتاج إلى مراجعة.

إذ الأصل هو المزاوجة بين الحملات الانتخابية المعهودة والحملات الانتخابية الرقمية، في إطار استراتيجيات التواصل السياسي؛ لأن المزاوجة بين الفضاءين الرقمي والواقعي تتيح للمتنافسين الوصول إلى شرائح أوسع من الأصوات؛ فكما يحرص المرشحون على زيارة الأسواق الأسبوعية القروية احتراما لخصوصيات سكان البوادي، ومخاطبتهم بلغتهم؛ فهناك فئة كبيرة من المجتمع، قد يمثل الشباب جلهم مع حضور فئات عمرية أخرى، ينبغي “زيارتهم” في مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي عموما الذي يمثل أفضل بيئة للتواصل معهم والوصول إليهم.

لذا أتوقع أن يكون الفرق واضحا بين حملات واعية مخطط لها قبليا وعلى مهل عبر مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي، وبين حملات اضطرارية وارتجالية فوجئت بالإجراءات الأخيرة.

هل تعتقدون أن الفضاء الرقمي يمكنه صناعة “رأي عام” انتخابي واستقطاب أصوات انتخابية؟

ينبغي الإشارة بداية إلى أن بعض الأحزاب أظهرت وعيا حقيقيا بإمكانات استثمار الفضاء الرقمي في التواصل السياسي، وعبرت عنه خصوصا في تصميم ومحتوى الموقع الإلكتروني للحزب، وحسابه الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي.. مع تفاوت بين الأحزاب في جودة الإخراج التواصلي لوجودهم الرقمي.

أما الإمكانات التأثيرية للحملات الانتخابية الرقمية وقدرتها على توجيه الرأي العام الانتخابي، فتتحدث النظريات الإعلامية والتواصلية المتخصصة عن تعدد العوامل المؤثرة في صناعة القرار السياسي، وعلى رأسها التأثر بالأقران وقادة الرأي من خلال التواصل المباشر.

لكن مع التطور العلمي الكبير الذي عرفه التواصل السياسي عموما، والتواصل الرقمي خصوصا، يمكن توقع اتساع مجال تأثير الحملات الانتخابية الرقمية وقدرتها على توجيه الرأي العام.. وهناك شواهد من انتخابات متعددة عبر العالم تؤكد هذا الافتراض.

لكن ينبغي التمييز بين الحملة الانتخابية المنظمة، التي تخضع لتخطيط استراتيجي وتستند إلى أسس علمية، وما نجده على مواقع التواصل الاجتماعي من محاولات هاوية تشمل صورا للمرشحين يضعونها في حساباتهم، وفي أحسن الظروف فيديوهات غير متقنة تواصليا مع الأسف قد تكون لها نتائج عكسية، بل حتى الصور الشخصية هي غير جاذبة تواصليا ولم تلتقط بشكل احترافي..

رغم بعض الاستثناءات المتناثرة، يمكنني أن أجزم أننا عموما أمام سوء تقدير لأهمية التواصل السياسي، وأمام تأخر كبير في الحملات الانتخابية الرقمية الاحترافية، أخشى أن يكون سببه طبيعة المرشحين أنفسهم، إن لم يكن وعي الحزب نفسه وهو قدرته على التجديد ومواكبة العصر، والإنصات لأصوات الشباب من الحزب نفسه..

إن ضعف التواصل السياسي الرقمي للأحزاب، مع ما تتوافر عليه من موارد مادية مرصودة للحملة الانتخابية، يضع أكثر من علامة استفهام تشمل الديموقراطية الداخلية للأحزاب، والمكانة الفعلية للشباب داخل تلك الأحزاب، وقدرة الأحزاب على مسايرة الدينامية التنموية القوية التي يعرفها المغرب..

ما نوعية الأصوات المتوقع استقطابها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي؟

أمام حملات انتخابية علمية متقنة، وفريق تواصلي متخصص، يمكنني أن أتفاءل بقدرة تلك الحملات على استقطاب أصوات من جميع الفئات التي ترتاد مواقع التواصل الاجتماعي.

المنشورات ذات الصلة

المزيد من الأخبار جار التحميل...لا مزيد من الأخبار.