بين أوهام الزعامة ومغالطات "البديل": حين تتحول الأمازيغية إلى ورقة حزبية

يمكن 19, 2025 - 01:08
 0
بين أوهام الزعامة ومغالطات "البديل": حين تتحول الأمازيغية إلى ورقة حزبية

في ظل ما يعرفه المشهد السياسي المغربي من تراجع في الثقة وضمور في الإبداع الحزبي، تخرج علينا بين الفينة والأخرى أصوات تدّعي امتلاك "مشروع حضاري متكامل" قائم على المرجعية الأمازيغية. لكن المتأمل في هذا الخطاب، لا يلبث أن يكتشف سريعًا أنه خطاب مشحون بالعاطفة، يفتقر إلى الرصانة، ويتغذى من أوهام الزعامة أكثر مما يستند إلى تحليل سياسي ناضج.

الدعوة إلى تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية ليست جديدة، لكن ما يثير الانتباه اليوم هو الطريقة التي يُسوَّق بها هذا المشروع. بعض من يطرحون هذه المبادرة لا يمتلكون رصيدًا نضاليًا حقيقيًا، ولا تجربة تنظيمية تُذكر، ومع ذلك يحاولون استثمار الرمزية التاريخية لنضالات الحركة الأمازيغية، متجاهلين أن هذه الرمزية لا تُورّث ولا تُسطو عليها بخطابات حماسية وشعارات فضفاضة.

القول بأن الأحزاب المغربية "قامت على مرجعيات مستوردة" ليس فقط اختزالًا مخلًا، بل إغفال متعمد للسياقات المعقدة التي أنتجت النسق الحزبي المغربي. الأحزاب الوطنية، مهما اختلفنا معها، انخرطت في صراعات وتضحيات شكلت جزءًا من تاريخ هذا الوطن. أما الحديث عن "قطيعة معرفية" دون تقديم بديل واضح ومتماسك، فليس سوى تعبير عن نزعة زعامية لا تجد ما تسنده سوى لغة التذمر والتنظير الهووي.

الأخطر في هذا الخطاب أنه يوظف سردية المظلومية لتبرير مشروع سياسي لا يملك أدوات النجاح. فبدل أن يكون الوعي بالهوية الأمازيغية مدخلًا لبناء مشروع وطني جامع، يتحول في هذا السياق إلى أداة لتأجيج الانقسام وصناعة العداوة مع ما هو قائم. وهنا مكمن الخطر: حين تتحول العدالة الثقافية إلى مشروع حزبي ضيق، تُختزل فيه الأمازيغية إلى هوية سياسية، وتُوظف كمجرد "لافتة" في معركة انتخابية أو استقطاب عاطفي.

ثمّة أيضًا نزعة استعلائية تطفو على سطح هذا الخطاب، تتجلى في شعارات من قبيل "سياسة تمشي على قدميها لا على رأسها". عبارة أدبية تُستلهم من النقد الماركسي، لكنها توظف هنا خارج سياقها، لتُضفي مسحة فلسفية على مضمون هش، لا يمتلك أدوات التحليل أو آليات الفعل.

لا أحد يُنكر عدالة القضية الأمازيغية، ولا يشكك في شرعية المطالبة بردّ الاعتبار لها. لكن تحويلها إلى مشروع حزبي مشبع بالتشكيك والتمركز حول الذات، لن يخدمها. بل سيحولها إلى موضوع تجاذب سياسي، ويعرّضها للابتذال والانقسام. فالدفاع عن الأمازيغية ينبغي أن يتم في إطار رؤية وطنية شاملة، تعترف بالتعدد وتُراهن على الوحدة.

إن من يسعون اليوم إلى تسويق أنفسهم كبديل سياسي باسم الأمازيغية، لا يقدّمون سوى خطاب قائم على النفي، لا على البناء. وهم، في ذلك، يحاولون وراثة رمزية مناضلين حقيقيين دون أن يسلكوا الطريق نفسه من الالتزام والنضال والمراكمة. والفرق شاسع بين من بنى مشروعًا عبر عقود من العمل، وبين من يصنع زعامته على الفيسبوك.

ما نحتاج إليه اليوم ليس "حزبًا أمازيغيًا" بمفردات مكرورة، بل تجديدًا شاملًا للفعل السياسي، يُدمج مختلف مكونات الهوية المغربية ضمن مشروع ديمقراطي حداثي. مشروع لا يستدعي القطيعة مع الماضي، بل يستثمر تراكماته، ولا يستبدل الانقسام بالهوية، بل يوظف الهوية لبناء الوحدة.

وفي الختام، فإن ما يُقدَّم على أنه "مشروع حضاري بديل" لا يعدو كونه محاولة فردية، هشّة في منطلقاتها، مشحونة بالذاتية، وتفتقر إلى أدنى شروط القيادة السياسية. وما أخطر أن تُختزل الأمازيغية، بكل عمقها التاريخي والحضاري، في شعارات انتخابية أو نزوات زعامية.
عبد النبي إدسالم

ما هو رد فعلك؟

like

dislike

love

funny

angry

sad

wow