مهرجان إكودار بإداوكنيضيف.. من ذاكرة الجماعة إلى أفق التنمية

من عمق جبال إداوكنيضيف، حيث تنبع الثقافة الأمازيغية من صخر الحياة اليومية، ينهض مهرجان "إكودار" في دورته السابعة ليكرّس تحولًا نوعيًا في وظيفة المهرجانات المحلية: من الاحتفال العابر إلى الفعل التنموي المتجذر. فـ"إكودار" لم يعد مجرد تظاهرة فنية موسمية، بل غدا رافعة ثقافية واقتصادية ترسم ملامح مستقبل جماعي أكثر عدلاً وتوازناً.
الحدث، المنظم ما بين 20 و26 يوليوز الجاري تحت شعار "ثقافة نابضة"، يشكل مناسبة لإعادة الاعتبار لمؤسسة "إكودار" التاريخية كرمز للتضامن الجماعي والأمن الغذائي لدى الأمازيغ، وتحديث مفهومها لتواكب رهانات العصر.
لقد نجحت إدارة المهرجان في بلورة تصور شامل يُزاوج بين البُعد الاحتفالي والبعد التنموي، وهو ما تجلى في برمجة غنية تلامس مختلف شرائح المجتمع، وتُفعّل الثقافة كأداة للتغيير والإشعاع. فمن جهة، تستقطب السهرات الفنية الكبرى أسماء لامعة في الساحة الغنائية المغربية، وتعيد إحياء التراث الأمازيغي في بعديه الموسيقي والفرجوي، ومن جهة أخرى، تحتضن فضاءات المهرجان نقاشات معمقة حول قضايا ملحة كالعالم القروي والرقمنة، بمشاركة فاعلين أكاديميين ومجتمعيين.
الثقافة كرافعة للتمكين الاقتصادي
من بين أبرز محطات الدورة السابعة، تنظيم ندوة استراتيجية حول "العالم القروي والرقمنة: نحو اقتصاد محلي جديد"، في سعي واضح لربط الثقافة بالعدالة المجالية، ودفع الفاعلين المحليين إلى التفكير في سبل تكييف التحولات الرقمية مع معطيات المجال الجبلي.
كما يتميّز المهرجان هذا العام بورشات تكوينية تستهدف نساء التعاونيات، بهدف تعزيز قدراتهن التدبيرية والتجارية، وفتح نوافذ جديدة أمامهن لاقتحام أسواق الاقتصاد التضامني. خطوة تعكس وعي المنظمين بأهمية تمكين النساء كقوة فاعلة في تنمية المجتمع القروي.
وفي السياق ذاته، يشكل معرض الصناعة التقليدية والمنتجات المحلية واجهة مهمة لتثمين ما تنتجه المنطقة من موروث يدوي وزراعي، وفرصة لبناء جسور تواصل مباشرة بين الحرفيين والسوق، في أفق خلق دينامية اقتصادية قروية متجددة.
مجتمع يحتفل... ويتعلم
ما يُحسب لهذا المهرجان أيضاً، أنه لم يغفل عن الأطفال والشباب. فبرامج التكوين والتعبير الفني والدورات الرياضية ومسابقات تجويد القرآن، تجعل من "إكودار" حدثاً مجتمعياً شاملاً لا يقتصر على الكبار ولا على الحاضرين في السهرات، بل يمدّ جذوره نحو الأجيال القادمة، ويبني لديها علاقة عضوية بين الثقافة والهوية، وبين الفعل والاحتفال.
رسالة من الجبل إلى الوطن
ما يجري في إداوكنيضيف خلال هذا الأسبوع ليس ترفاً فنياً، بل هو رسالة قوية مفادها أن الثقافة حين تُدار بعقلانية، يمكن أن تتحول إلى قاطرة للتنمية، وجسر لردم الفجوة بين المركز والهامش. "إكودار" اليوم لم يعد فقط مرآة لذاكرة جماعية، بل أصبح مشروعا للمستقبل، يقترح نموذجاً ثقافياً تنموياً قابلاً للتكرار في مناطق مغربية عديدة.
في ظل ديناميات التهميش التي عرفتها الجبال لسنوات، يُعيد مهرجان "إكودار" رسم خريطة الوعي التنموي من الأسفل، ويُقدّم إداوكنيضيف ليس كفضاء للتذكّر فقط، بل كفضاء للتقدّم أيضاً.
ما هو رد فعلك؟






